تحليل معمق.. مرحلة جديدة من الصراع بين محور المقاومة و"إسرائيل"

{title}
أخبار الأردن -

  دخلت حرب غزة فصلًا جديدًا لا يمكن التنبؤ به في النموذج الإقليمي. ففي 20 يوليو/تموز، قصفت إسرائيل مدينة الحديدة الحيوية في اليمن، مما أدى إلى إتلاف خزانات الوقود وبعض مرافق الموانئ.

وأدت الغارات الجوية في الحديدة، التي تسيطر عليها حركة أنصار الله (الحوثيون)، إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة العشرات.

وجاء الهجوم في أعقاب غارة غير مسبوقة بطائرة مسيرة على تل أبيب من قبل المجموعة اليمنية في اليوم السابق، والتي أودت بحياة شخص واحد.

تغيير قواعد الاشتباك الإقليمية

من خلال إظهار استعدادهم لتوجيه ضربات مباشرة على تل أبيب بالإضافة إلى قدرتهم على تجاوز القبة الحديدية، قام الحوثيون بتغيير قواعد الاشتباك الإقليمية، مما يعرض إسرائيل لهجمات متعددة الجوانب من قبل "محور المقاومة". وتعد الجماعة اليمنية اليوم عنصرًا رئيسيًا في شبكة التحالف الإقليمي الذي تقوده إيران، والذي يجمع أيضًا الجماعات المسلحة الشيعية العراقية، حزب الله اللبناني، والفصائل الفلسطينية بما في ذلك حماس والحكومة السورية.

القلق الخليجي المتزايد

في الوقت نفسه، فإن دول الخليج العربية التي شعرت حتى الآن بأنها محمية من الصراع في غزة، أصبحت تشعر بالقلق بشكل متزايد لأن المزيد من التصعيد يمكن أن يحول انتباه الحوثيين نحوها.

موقف المملكة العربية السعودية

وقد تركت الديناميات الإقليمية المتغيرة المملكة العربية السعودية في موقف صعب. ومن خلال تفضيلها التركيز على أجندة التنويع الاقتصادي لرؤية 2030، تسعى المملكة جاهدة لتجنب التورط بشكل عميق في الأصداء الإقليمية لحرب غزة، بما في ذلك الابتعاد عن خط النار لدى الحوثيين.

منذ أواخر عام 2022، عندما بدأ الخصمان السابقان محادثات بطيئة لإنهاء الصراع في اليمن، تمكنت المملكة العربية السعودية من الحفاظ على التواصل مع الحوثيين. وعلى الأقل حتى الآن، أدى هذا إلى حماية السعوديين إلى حد كبير من الهجمات عبر الحدود من الجنوب. وحرصًا منها على عدم تعريض هذه العلاقة الجديدة للخطر، رفضت المملكة الانضمام إلى "عملية حارس الرخاء" التي تقودها الولايات المتحدة، وهو تحالف متعدد الجنسيات تم تشكيله في ديسمبر 2023 وسط هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن.

بسبب الإحباط من الديناميات الداخلية في اليمن، أعادت وسائل الإعلام التي يديرها الحوثيون وخطب الزعيم السياسي والروحي الأعلى للجماعة، عبد الملك الحوثي، توجيه غضبها نحو المملكة العربية السعودية مع التكهن بشأن التنسيق المحتمل مع إسرائيل. لكن المملكة نأت بنفسها بسرعة عن الهجوم الإسرائيلي على اليمن، مدركة أن أي علامة على التواطؤ من شأنها أن تعرقل خطوط الاتصال التي اكتسبتها بشق الأنفس مع الحوثيين. وذكرت وزارة الدفاع السعودية على الفور أن المملكة "ليس لها أي صلة أو مشاركة في استهداف الحديدة".

سياسة الرياض تجاه الحوثيين تقتصر بشكل كبير على حماية الحدود. وتحرص المملكة العربية السعودية على عدم إثارة غضب الجماعة اليمنية، خاصة وأن الحوثيين جددوا تهديداتهم بـ "إسقاط رؤية 2030" متهمين السعوديين بدفع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى تصعيد الحرب الاقتصادية.

الرهانات المستقبلية

في موازاة ذلك، تقوم المملكة بشراء الوقت، على أمل أن توفر العودة المحتملة لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024 الحماية التي تحتاجها من الحوثيين، على الرغم من أنه ثبت أن ترامب حليف غير موثوق به. على سبيل المثال، فشلت إدارة ترامب في تقديم الدعم العسكري المتوقع للرياض عندما أعلن الحوثيون في عام 2019 مسؤوليتهم عن الهجمات على منشآت النفط السعودية.

ربما تراهن المملكة على ديناميات مختلفة ستؤدي دورها حيث أصبح الحوثيون الآن يشكلون تهديدًا عالميًا لسلاسل التوريد البحرية، وبالطبع لإسرائيل. قد يؤدي هذا إلى رد فعل أمريكي مختلف وأكثر حزمًا على أي هجمات داخل الحدود السعودية، خاصة وأن الجيش الأمريكي يستهدف بالفعل مواقع الحوثيين في اليمن.

الإمارات العربية المتحدة

الإمارات العربية المتحدة تسير على حبل مشدود لتجنب أي نزاعات مع الحوثيين، خاصة وأن أبو ظبي قامت بتطبيع العلاقات مع تل أبيب. ردًا على التدخل الإماراتي في حرب اليمن، شنّ الحوثيون في أوائل عام 2022 هجومًا صاروخيًا وبالطائرات المسيرة بشكل غير مسبوق على أبو ظبي، من دون أي رد حقيقي من الولايات المتحدة. وهي تجربة لا تريد الإمارات تكرارها. وفي أعقاب هجوم 20 يوليو على اليمن، لم يقم الإماراتيون حتى الآن بإدانة الحوثيين أو الإسرائيليين.

الضربات الجوية الإسرائيلية وتأثيرها

في السر، من المحتمل أن تكون الضربات الجوية الإسرائيلية في الحديدة قد أسعدت أبو ظبي. فبالعودة إلى عام 2018، كانت لدى الإمارات نفسها خطط خاصة بها للاستيلاء على المدينة الساحلية من الحوثيين عبر حلفائها المحليين. ومع ذلك، توقف الهجوم بعد ضغوط دولية مكثفة، بدعم أساسي من الولايات المتحدة.

الصورة الأكبر هي أن الإمارات العربية المتحدة أبدت مؤخرًا استعدادها لنشر قوات على الأرض في غزة كجزء من قوة متعددة الجنسيات، بمجرد انتهاء الحرب. في مثل هذا السيناريو، يمكن للحوثيين بسهولة تفسير التدخل الإماراتي على أنه مبارك من قبل إسرائيل، مما قد يترك أبو ظبي عرضة للهجوم من اليمن من جديد.

التنسيق العراقي اليمني

البعد الآخر للتصعيد المستمر بين إسرائيل و"محور المقاومة" هو الفرصة التي يقدمها للفصائل العراقية واليمنية للعمل بشكل أوثق معًا. وقال مصدر سياسي يمني مطلع، طلب عدم الكشف عن هويته لموقع أمواج.ميديا، إن الحوثيين يخططون لتعزيز الوحدة والتنسيق بين الجماعات العاملة في إطار "المقاومة".

قد يؤدي ذلك إلى مزيد من العمليات المشتركة التي تستهدف إسرائيل من مواقع متعددة في نفس الوقت، مع تداعيات لا يمكن التنبؤ بها. على سبيل المثال، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن المشغلين البشريين الذين يقومون بتحليل الرادارات العسكرية كانوا وقت الهجوم الحوثي على تل أبيب "في منتصف تعقب طائرة مسيرة أطلقتها مجموعة أخرى مدعومة من إيران من العراق". وأُفيد بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قامت بإسقاط الطائرة المسيرة.

التعاون العراقي اليمني

لقد كان التنسيق بين الفصائل العراقية واليمنية قائمًا منذ فترة طويلة، لكنه كان مستترًا. وفي بعض الأحيان، بقي في العلاقة عنصر تشويش مزعوم، مثل الموضوع المثير للجدل حول من المسؤول الحقيقي عن هجوم عام 2019 على المملكة.

ومع ذلك، اليوم وبعد أن نصب الحوثيون أنفسهم كعضو رئيسي في "محور المقاومة" مع اندلاع حرب غزة، تحولت علاقتهم مع الجماعات العراقية إلى العلن، وتبنوا إطارًا رسميًا وعملياتيًا أكثر. بمعنى آخر، حصل تحول بعيدًا عن التشويش وبطاقة الإنكار المعقولة المرتبطة به نحو الإعلان عن التنسيق بشكل علني.

وقد أعلنت عدة جماعات شيعية مسلحة مدعومة من إيران في العراق وأنصار الله مسؤوليتها عن الهجمات المشتركة التي استهدفت مدينتي أشدود وحيفا الإسرائيليتين. ومع ذلك، نفت إسرائيل وقوع بعض هذه العمليات المزعومة.

بالإضافة إلى ذلك، افتتح الحوثيون في وقت سابق من هذا الشهر مكتبًا تمثيليًا في بغداد للتأكيد على "مبدأ وحدة الساحات" داخل المحور. في اليوم نفسه الذي ضرب فيه الحوثيون تل أبيب، أعرب قيس الخزعلي، رئيس جماعة عصائب أهل الحق العراقية المسلحة، عن تضامنه مع الجماعة اليمنية، مشيرًا إلى أن "معادلات الحرب تتغير".

التنسيق الرسمي والتدريبات المشتركة

وأشار مسؤول حكومي يمني سابق لأمواج.ميديا إلى أن "المكاتب في العراق لا تزال جديدة، وأن الحوثيون والفصائل العراقية يحاولون المضي قدمًا بشكل عملي لتحقيق مفهوم الجبهة الموحدة". ومن ثم، بالنسبة لبعض أعضاء المحور على الأقل، فإن التصعيد الحالي ضد إسرائيل يعد بمثابة أرض اختبار مثالية لمعرفة مدى نجاح التنسيق العسكري ضد عدو مشترك.

المسار المستقبلي

ووسط مؤشرات على وجود تنسيق عراقي يمني أوثق، من المرجح ألا يكون حزب الله اللبناني طرفًا فيه. فأي تحركات علنية من جانب المجموعة يمكن أن تؤدي إلى توغل إسرائيلي واسع النطاق في جنوب لبنان وهو احتمال لمحت إليه تل أبيب بشكل متزايد خلال الأشهر القليلة الماضية.

لذلك، بالنسبة لإيران، التي هي أقل ميلًا إلى التضحية بأهم استثماراتها الإقليمية، فإن الهجمات المشتركة التي تشنها الفصائل العراقية واليمنية يمكن أن تمثل وسيلة عملية لإلهاء إسرائيل وتهدئة التوترات على الجبهة اللبنانية.

حرية حركة الفصائل العراقية واليمنية

وعلى عكس حزب الله، الذي يلتزم إلى حد كبير بقواعد الاشتباك الراسخة مع إسرائيل بسبب المخاطر العالية المتمثلة في نشوب حرب شاملة، فإن المجموعات الأخرى داخل "محور المقاومة" تتمتع بمزيد من الحرية في تحديد الحدود بنفسها. إن الفصائل العراقية واليمنية أكثر استعدادًا لاختبار هذه المياه لعدة أسباب، بما في ذلك حقيقة أنها لا تشترك في الحدود مع إسرائيل، ويبدو أنها مستعدة أيضًا لتحمل تكاليف الضربات الموجهة ضد المصالح الإسرائيلية.

الاستعداد لحرب طويلة

مع ذلك، فإن الحوثيين ليسوا في عجلة من أمرهم لتنفيذ خطواتهم التالية. وصرح المتحدث العسكري لحركة أنصار الله بعد الغارات الجوية الإسرائيلية: "نحن نستعد لحرب طويلة، وليس هناك ما نخسره"، مؤكدًا أن الرد سيكون كبيرًا. بغض النظر عن ذلك، فمن المرجح أن تتضمن المرحلة التالية المزيد من الهجمات المنسقة من قبل الفصائل العراقية واليمنية التي تهدف إلى زيادة انعدام الأمن في إسرائيل.

وقال مصدر سياسي يمني مطلع لموقع أمواج.ميديا إن "هذا لا يعني ضربة قوية، لكن الأفعال الصغيرة المتكررة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على شعور إسرائيل بالأمن". وأضاف أن "إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الأمن. وبمجرد أن تخسر ذلك، فلن تجد مستوطنين مستعدين للبقاء فيها".

تأثير التصعيد الحالي

وعلى المدى القصير، يمكن أن يخطط الحوثيون أيضًا لرد أسرع من اليمن، حيث أظهرت الجماعة سابقًا تفضيلًا للانتقام بشكل مستقل ضد الإجراءات الموجهة ضدها. في النهاية، إذا أثبت حلفاء إيران الإقليميون نجاحًا في عملياتهم المنظمة أفقيًا ضد إسرائيل، من المرجح أن يصبح تنسيقهم رسميًا بشكل أكبر ويمكن الاستفادة منه في أماكن أخرى، كما هو الحال في المواجهة مع القوات الأمريكية في العراق، أو عند تنفيذ عملية ضد دول الخليج العربية.

فكلما طالت حرب غزة التي توفر ذريعة، كلما تعززت عمليات تبادل الخبرات القتالية والتصنيعية وكذلك المعلومات الاستخبارية داخل المحور وأصبحت أكثر صعوبة في اختراقها من قبل الغرباء، وأكثر صعوبة في إحباطها. الأهم من ذلك كله أن المعرفة والدراية التي يتم تقاسمها بشكل متزايد لا يمكن عكسها أو تدميرها.

التحديات المستقبلية

في ظل هذه الظروف، تجد المنطقة نفسها في مواجهة تصعيد مستمر، حيث يزداد انعدام الأمن وتتعزز التحالفات العسكرية الإقليمية. مع استمرار حرب غزة في توفير الذريعة لتوحيد الجهود بين الفصائل المختلفة داخل "محور المقاومة"، من المتوقع أن تزداد العمليات المشتركة ضد إسرائيل، مما يضع المنطقة بأكملها على حافة الهاوية.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير